المسرحي المنجي بن إبراهيم: المرأة غائبة ركحيا.. حاضرة فكريا
لا حقوق ثقافية لا يضمنها الدستور - ماذا يضيف المسرح إن لم يكن فاعلا فعّالا ثريّا ومثريا للثورة؟
قال المخرج المسرحي المنجي بن إبراهيم وقد نزل ضيفا على «الصباح»: »ان المسرح ثوري بطبعه ينادي بالتغيير من أجل إسعاد البشر وإيجاد بديل أفضل واقتراح طعم ورؤى نقدية أخرى تتجه للمجتمع والمحيط ولكل ما هو تسيير اجتماعي ويتضمن مسؤولية الحياة المدنية، والمسرح ليس بمعزل عن كل هذه المتطلبات الاجتماعية وأنا لست رجل سياسة ولكنني في الحقيقة لست في معزل عن الحراك السياسي ولا استطيع أن امنع نفسي من أن أتدخل في المسار والتحرك وفي هذه التوجهات مهما كان مأتاها فكري تقليدي تراثي مستمد من التاريخ ومن الواقع يجب أن يكون هناك تفاعل في ما بين الرؤى النقدية في المسرح تجاه هذا الحراك السياسي فتاريخ المسرح العالمي ينبني على هذه القيم وهذه الرؤى، وهذه القيم هي التي أومن بها في المسرح وهذه استنتاجاتي اليومية من أهمية الفعل المسرحي في الحياة الاجتماعية.»
حديثه هذا ورد في إطار إجابته عن سؤال طرحته عليه «الصباح» وتناول ظروف كتابته لنص مسرحيته الأخيرة «أصوات» وأسباب تغييبه للمرأة جسدا على الركح رغم ان كل أحداث المسرحية تحوم حولها. فكان الحوار التالي:
عندما تقرّر كتابة عمل مسرحي هل تكتب ما يعجب الناس أو ما يهمّهم؟
- صحيح أنني في البدايات كنت أسعي دائما إلى تقديم ما يعجب الناس من النواحي الجمالية والشكلية الإستعراضية ولكنني الآن أريد أن أقدم ما يهم الناس والمجتمع من واقعهم الآني وفي مستقبلهم دون تنكر إلى الماضي الذي يبقى دائما رافدا استمد منه شخصيتنا وهويتنا وانتماءنا .
وعندما جاءت الثورة كانت بالنسبة لي حدثا عظيما صحيح انه بنوع من البعدية يمكن ان نقول أنها حدث كان منتظرا منذ مدة طويلة خاصة إذا فكرنا في التحركات الاجتماعية طيلة السنوات الأخيرة قبل الثورة، ولكنها جاءت فجأة وبشكل رائع أدهش كل الناس في العالم حيث ان ما حدث لم يكن انقلابا بل ثورة أثارت سؤالا: كيف استطاع هذا الشعب الذي وصف بالخنوع والمستسلم والمسالم وفي وقت وجيز ان يخلع كابوسا.
هذه الثورة حسب رأيي لم تأت من فراغ بل كانت هناك استعدادات وتحضيرات وخاصة على المستوى الفكري.
تولكن عددا كبيرا من الفاعلين في الساحة السياسية نفوا ان يكون قد سبق هذه الثورة فكر ؟
- عندما أرى وقفة الحقوقيين وهم موجودون في كل الإدارات والمؤسسات والمنظمات و-أنا بالمناسبة اشد على أياديهم- وألاحظ دورهم الكبير في التأكيد على معالم الثورة في تونس أقول أنها لم تكن اعتباطية ولا صدفة حيث سبقتها تحركات اجتماعية تدل على ان ما حدث لم يكن «عركة في حومة» وان الثورة ليست انتقاما وإنما هي قيام حركة شعبية كبيرة ضد الاستبداد.
تفاعل دون الوقوع في المباشرتية
وهل كان للمسرح دور في ما قبل وما بعد هذا الحراك؟
- أنا كمواطن انتمي إلى الميدان المسرحي تساءلت بماذا يمكن أن أساهم في هذا الحراك وفي حدث عظيم كهذا، حدث يجب أن نعالجه بخطاب مختلف في المقال والمقام وفي المجال الفني أي أن المسرح يجب ان يكون متفاعلا معه دون الوقوع في المباشرتية واستغلال الآني والرتيب الذي لا يضيف بل نريده فاعلا فعّالا ثريا مثريا للثورة.
وللاحتفاء بالحدث كان عليّ ان أختار مشروعا يرتقي إلى مستوى الحدث الجلل خصوصا اني اشعر بأن التطور المسرحي يقتضي ان نخرج من فكرة مجرد الإعجاب من خلال نص مكتوب او عمل معروض إلى التعمق في ما نقترح ونقدم ومن اجل كسب القيمة المثلى المنتظرة ومن اجل طرح متجدد مغاير للسائد والمألوف بغية الحصول على نتائج ذات أولوية وأهمية مشتركة في ما بين المبدع والمتلقي.
أسئلة عديدة تفرض نفسها قبل الكتابة و تنفيذ أي مشروع ومن بينها:» ما هو نوع شعورنا وما هي حالتنا الفكرية في خضم الأحداث المتلاحقة والمتلاطمة في لحظات يصعب توقع نتائج ما يحدث خلالها؟ واقصد بها تلك الفترات التي عشناها في الأيام الأولى للثورة والتي جعلتنا ننتقل من حسّ إلى آخر وقد تكون التناقضات فيها لا مفر منها وهو نوع من التيه الذي عشناه ويتعلق بنجاح الثورة وبالخوف من فشلها باعتبار بعض المظاهر السلبية مثل الانفلات الأمني أساسا والهلع الذي نلاحظه في شوارعنا وبيوتنا في الليل والنهار وفي التصادمات العنيفة أحيانا والتي لم تخل من ضحايا حتى صرنا لا نعرف «من مع من ومن ضد من «.
لقد قمنا بثورة من اجل الاستقرار ولكنه في تلك اللحظات كان استقرارا مرجوجا لم يتعود عليه التونسي منذ عهود فكانت بالنسبة لي وكأنها حالة عبثية كتلك التي عاشها الناس في ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ولكن الحربين أسفرتا عن ميلاد اتجاهات فكرية جديدة في حياة المجتمعات الإنسانية برزت فيها الطلائعية والوجودية والتجريدية كمذاهب فلسفية فكرية جمالية جديدة وعرفنا من خلالها مبدعين ومفكرين مثل سارتر وكامو وبيكيت.
اسماء رائعة قلت في نفسي لماذا لا استنير من نص من نصوصها. ورجعت إلى مكتبتي باحثا عما يستجيب لفكرتي واستقر رأيي على يوجين يونسكو في مسرحية الكراسي او مسرحية الدرس باعتبار ما تتمتع به المسرحيتان من نظرة عبثية للحياة وتوجه نقدي للمحيط انطلاقا من ذلك الزمن ولكن بعد المراجعة بقيت على عطش فقلت لا بد من كتابة نص ذاتي محلي نابع من هذا الزمن وهذا الحدث الكبير خاصة ان كل العناصر حولي متوفرة سواء كان الموضوع او الشخوص او الأحداث او النمو والتصاعد الدرامي والفعل الفني الجديد والرؤى الإخراجية .
لم اكتب نصا للنص وإنما أعددت تصورا فنيا شاملا وأخذت أحداث المسرحية من شوارعنا ومدننا وحاولت أن أترجم هذه الحالات والأحاسيس والهواجس والانتظارات والآمال فكانت « أصوات « وأعني بها الكثير كالضمائر والنفس والروح والأصوات المتمازجة والمتضاربة المحلقة البعيدة والقريبة والخفية. إن قوام كتابة مسرحية «أصوات» يعتمد على الصدق إلى جانب الحرفية.
لماذا غيبت المرأة من الركح وجعلت الرجال يتحدثون على لسان النساء؟
هو سؤال غريب بالنسبة لي لأنني لم أكن أتوقعه فعندما أتناول موضوعا مسرحيا فيه أحداث وشخوص وفيه تعابير ومعان تصبح كل العناصر المكونة لهذا العمل أفكارا متساوية في المعنى وفي القيمة ليس لها جنس فقيمة المرأة عندي تتساوى مع قيمة الرجل وقد دافعت عن رأيي هذا في جل أعمالي المسرحية ك «ميديا» و» ستي دليلة « والظل و» برج المعز» و»حكواتي في خير» التي قدمتها في الجزائر.
قد أكون غيبت المرأة على الركح ولكنني لم أغيبها في النص لا ذهنيا ولا فكريا وهي موجودة بكثافة في مسرحية «أصوات «من خلال مشاهد خصصت للحديث عن أهمية هذا التكامل الذي ينبني عليه المجتمع وهو المرأة والرجل خصصت في النص مشاهد تروي حضورها التاريخي وأعطيتها أولوية باعتبارها أساس التكوين الأمثل للمجتمع واقصد هنا مشهد الأم فهي رمز أكثر منها مجرد امرأة هكذا أرى أمي عندما أتكلم وأنا أعي ما أقول وأريد ان أصل إلى الصدق أريد أن أكون صادقا وصدوقا لأنني لا استطيع ان احدد نفسي ولم أكن اقصد أبعاد المرأة بتاتا صادف ان النص وجد حسب الأحداث ثلاثة اشخاص في ساحة مهجورة لا يمكن ان تتواجد فيها امرأة.
والشخصيات الثلاثة هي في الحقيقة شرائح من المجتمع والفئات وكان اختياري على ثلاثة فنانين لأني أرى أن الفنان اقرب ما يمكن أن يمثل الناس وهو لسان حالهم وصوتهم ووسيلة التعبير عن أفكارهم وهواجسهم وأحلامهم هكذا أرى الفنان بعيدا كل البعد عن أن يكون الرمز رجلا أو امرأة .
انه بالمرأة والرجل يكتمل مفهوم المجتمع وباحترام متبادل وبمساواة وعدالة فلما كل هذه العقد وقد أوصى الرسول بالمرأة خيرا لا من باب العطف وإنما لإعطاء الاعتبار ولولا عطف المرأة علينا لدخلنا في متاهات ولا يستقيم بنيان المجتمع الا بالاحترام المتبادل بين العنصرين وقد ناديت دائما بهذا في أعمالي دون طغيان او سيطرة من الطرفين.
لماذا يمارس المسرح والفن ان لم تكن فيه نسمة حرية كما أراها أنا ارفض الحواجز أي الموانع والتطرف أي عدم قبول الرأي المخالف أنا أسعى إلى التعلم والمعرفة .وتاريخي وتراثي أعتز به ولكنني لا أقف عندهما فانا إنسان أحب أن أدخل الأدغال والمدن وان اخرج منها سليما وإننا نصر على الحرية ولكن دون ان نعتدي على الآخر ولكن عندما يتم الاعتداء علينا بشكل او بآخر وعندما توضع الحواجز والموانع وتوجد الصنصرة أمامنا فلن نقف مكتوفي الأيدي ولنا وسائلنا الخاصة في الدفاع عن مشروعية أفكارنا وأعمالنا مع احترامنا لأخلاقيات المهنة .
تتما رأيك في التنصيص على الحقوق الثقافية في الدستور؟
- الحياة الحديثة التي نعيشها والتي لها ارتباط بكل مكونات الدولة من علاقات وتبادل وعولمة وحداثة تقتضي أن يكون لنا مجلس تأسيسي يراعي هذه النظريات التقدمية وهذه الأفكار المترجمة للواقع الحداثي لا يمكن ان تثبت دون الاهتمام والاعتناء بالحقل الثقافي واني أرى انه يستوجب ان يكون في نصوص وفصول القوانين الجديدة للدستور التونسي .
حوار: علياء بن نحيلة