التعامل مع كِبار السن فنٌ وذوقبقلم
أحمد عبد الحيم أبو رمانكبارُ السِّن لهم حقٌّ علينا؛ بل حقوق كثيرة، وخصوصاً الوالدين؛ فهما سببُ وجودنا بعد الله سبحانه وتعالى، وبرّهما واجبٌ وفرضٌ، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة.
قبل الكلام
* كبار السِّن ـ في الغالب ـ أهم ما يبحثون عنه وجود من يُشعرهم بالمحبة والاحترام، ومن يُجلهم ويحفظ شيبتهم.
* كبير السِّن عاش حياته في العمل وقضاء الحوائج ومشاركة الناس مناسباتهم، وعند مكبره؛ جلس وحيداً فريداً.
والمرأة كذلك؛ فبعد إنشغالها السنين بالتربية ومتابعة شؤون البيت؛ فجأة لا يوجد أحد كلّ في شأنه.
* نظراً لما سبق؛ نجد أنّ المللُ والزّهقُ، والوحدة والفراغ؛ هي المخيّم على وجدانهم؛ لذا تجد الحزن والكأبة محيطة بهم.
ومعالجة هذا الأمر ـ التعامل مع الكبار ـ صعبٌ جدّاً وغايةٌ في التعقيد، فالله الله بالصبر والاحتساب للأجر من الله.
* يختلف كبار السِّن في سلوكياتهم وتصرفاتهم، وكل إنسان له وضع وعلاج؛ ولكن هذه بعض الإرشادات والنصائح للتعامل مع هذه الشريحة العريضة؛ والتي لا يخلو منها مجتمع ولا بيت ولا مؤسسة، فكلُّ إنسان يتعامل مع من يكبرهُ ولو بسنة، فخذ هذه النصائح واعمل بها.
* وأذكرك أنك تتعامل مع بشر لهم أحاسيس ومشاعر؛ فارحم ضعفهم وشيبتهم.
اعرف قدرهم
· الاحترام والتقدير، ومبادرتهم بالسلام والمصافحة، والسؤال عن حالهم؛ وتقبيل رأس الوالدين وأيدهم. فهذا من إجلال الله وتعظيمه.
· التبسم في وجوههم وأنْ تُشعرهم بفرحك وسرورك لرؤيته.
· مدحهُم والثناء عليه، وذكرصفات الخير فيهم، وشكرهم على جهدهم السَّابق وتعبهم في تربية الأولاد، واذكر إنجازتهم الطيبة ومعروفهم الجميل وأشعرهم بأهميتهم ومكانتهم وفضلهم؛ فهذا يُفرحهُم ويُدخل على قلوبِهم السّرور.
· لا تُدقق على كلِّ شيء، ولا تحاسبه على كلِّ كلمة، فما عاد له صبرٌ على الأخذ والردّ، وما عاد يحتمل الانتقاد والعتاب.
· كن هادئاً ولا تتوتر ـ خصوصاً بوجود إنسان غريب ـ فالنَّاسُ عندهم كبار، ويعانون ما تعانيه.
· التودد لهما والتقرب منهما بكل الطرق، ولا تنس الهدية؛ فإن لها في القلب مكان.
· دارهم وداعبهم؛ فهذا يفرحهم ويشرح صدورهم، فإن عقولهم ما عادت كما كانت.
· نادهم بأحبِّ الأسماء وأجمل الكنى والألقاب؛ فمن سوء الأدب أن تقول له: يا شايب، أو يا ختيارأو تنادي أمك: يا عجوز.
· شاوره واحترم رأيه، ولو لم تقتنع به.
عند الحديث
*تجدهم يكثرون الكلام عند محادثة الآخرين وربما قاطعوا المتحدثين، ولم يفسحوا المجال لغيرهم في الكلام؛ فلا تحزن فهذه فرصتهم للفضفضة وتعويض الصّمت الطّويل.
*لا تمل من كثرة حديثه وتكراره؛ فالكبير في الغالب تضعف ذكرته وما تعود كما كانت، فلربما كرّر قصة في مجلس واحد أربع مرات وهو يظن أنه لم يذكرها.
*احذر أنْ تقطع عليه حدثيه وكلامه؛ فهذا يُحزنه.
*عندما يتحدث انظر إليه ولا تتجاهله، واجعله يشعر أنك تسمعه جيداً.
*أقل الكلام إذا كان الوالدُ من النوع الجدلي، ولتكن الإجابات مختصرة، وتجنب الكلمات المثيرة والمستفزة.
*تجنب المواضيع ذات النقاش المتشعب.
*لا تهاجمهم عند الاختلاف في وجهات النظر. فالعتاب مرفوض، والانتقاد غير مقبول.
*عندما يطلب منك شيء أجبه على الفور؛ وحقّق رغبته ثم بعد ذلك ناقش، أي: لبّي نداءه، وأشعره بأنك موافق على ما يريد في بداية الأمر، ثم ناقشه بأدب جم وخلق كبير.
لا تغضب
* الأباء ينظرون إلى أبنائهم بأنهم ما زالوا صغاراً؛ فلا تغضب من كثرة إرشادهم وتنظيرهم.
* لا تظن أنَّ كثرة حرصهم عليك وخوفه المبالغ فيه؛ لأنهم يستضعفون شخصيتك ولا يرونك شيء ولا يثقون بك؛ كلا .. ولكنّها العاطفةُ والرّحمة التي أوجدها اللهُ في قلوبهم.
قصة
يُروى أنّ رجلاً شكا ولدَه العَاقّ للقاضي؛ فأودعَ القاضي الولدَ في السجن، وحكم عليه أنْ يُجلد بكذا جلدة؛ فلما سمع الوالد العطوف هذا الحكم؛ صاح: أيها القاضي .. اجلدني مكانه فولدي ضعيف ومريض ولا يحتمل!!!!!!!!
احذر
*إيِّاك أنْ تتحدثَ مع الآخرين أَمامهُ بصوتٍ مُنخفض؛ فيظن أنك تتكلم عليه؛ فيحزن ويغضب.
*لا تضحك دون أنْ تشعره بسبب الضحك؛ فلربما ظنَّ أنك تستهزئ به، وهذا يؤلمه ويحزنه.
*لا تتأفف ولا تضجر ولا تتبرم بحضرتهم فما هذه أخلاق الكرام.
* لا تشعره بأنه حملٌ ثقيل. وأنك متضايق من وجوده؛ فهذا من سوء الأخلاق وقلة المروءة.
* لا تتركه وحده؛ فالعزلة له عذاب وسجن وجحيم، وأحوج ما يحتاجه وجود من يُسلّيه.
*احذر من إحراجه فهذه قاصمة الظهر.
الطاعات
*خذ بيده إلى الجنة، بمساعدته على الطاعات، اصطحبه للمسجد، تذكيره ـ بلطف ـ بأوقات الصلاة، مساعدته على الوضوء .. حضور مجلس علم.. حج عمرة، زيارة المرضى، تفقد المساكين، صلة الرحم، زيارة الجيران.. إلخ.
*جنبهم مشاهدة المسلسلات والأفلام وسماع الأغاني، وأعانه على حُسن الختام، بكثرة ذكر الله.
انتبه
المناسبات الاجتماعية فرصة لكبار السِّن لرؤية الناس؛ لذا تتعجب من طلبهم ـ وهم مرضى ـ حضور المناسبات والعزائم، مع العلم أنَّ الناس يعذرونه؛ لكنهم يصرّون على ذلك ويتحججون بالواجب؛ والحقيقة أنّ الشيء الأهم هو الخروج من المنزل وقطع الوحدة ورؤية الناس.
واحذر..أنْ ُتشعره بأنه لم يعد مهماً، وليس له مكانة اجتماعية بين الناس، فهذا يؤثّر سلباً على نفسيته.
الوقوف إلى جانبهم
*قدّر اللهُ سبحانه وتعالى على الناس الضعف بعد القوة، والمرض بعد الصحة؛ وكثير من كبار السِّن يعيشون هذا الواقع؛ فلربما أضرَّ السكري بعيونه؛ فتجده يتجنب مخالطة الناس حتى لا ينحرج، أو ربما فقد بهاءه، فلا يريد أن يراه الناس بهذه الحالة؛ فتجدهم يفضّلون العزلة والإنطواء، ويتركون الحياة الاجتماعية؛ فيجب علينا ـ والحالة هذه ـ أنْ نقف بجوارهم ونخفف من مأساتهم، ولا نُشعرهم بما يشعرون به، ونُعيدهم إلى حياتهم الطّبيعية.
*مساعدتهم بشؤونهم الخاصة، وتفقد ما يحتاجونه، والاهتمام بنظافتهم، ورتابة هندامه، فكثير من الكبار لا يأبهون بذلك، فلربما جلس الأيام الطويلة من غير اغتسال أو استبدال لملابسه؛ فلا بُد من الاهتمام بهم في هذا الأمر برفق ولين.
*بعضهم يفضل الطعام سهل الهضم والذي لا يحتاج إلى مضغ كثير، نظراً لضعف الأسنان؛ فلا بدّ من مراعاة ذلك.
مهم جداً
تذكير أهل البيت ومن يقوم على الكبير بحقِّه وقدره وأنَّ برَّ الوالدين شيءٌ مقدّس وطاعتهما قربة وعبادة؛ وأنه يحتاج إلى مزيد من العناية والرعاية.
وأن تشرح لهم أنّ وضعه اختلف عن السابق، ومشاعره وأحاسيسه غدت مرهفة، وأي شيء يحزنه، وأي شيء يُفرحه.
وفي الختام
أذكركم الله في هؤلاء الناس ارحموهم واعطفوا عليهم، فغداً سنأخذ مكانهم، وكما تحب، أن تُعَامَل؛ عامل.