هولاند يطعن الجزائر في المغرب !فضحت زيارة الرئيس الفرنسي إلى المغرب، ازدواجية وتلاعب الفرنسيين بما يسمى "الصداقة" مع الجزائر، وقد وجّه فرانسوا هولاند، رسائل مشفرة قرأتها اتفاقيات مع الجانب المغربي، وتصريحات تعطي الانطباع أن فرنسا صحّحت "الخطيئة" التي ارتكبتها بزيارة الجزائر قبل المغرب في ديسمبر من السنة المنقضية، رغم أن رئيسها رفض الاعتراف والاعتذار عن الجرائم الاستعمارية.
هلـّلت الصحافة المغربية ومعها الفرنسية، لـ"حصاد" الزيارة التي قادت هولاند إلى المغرب، نهاية الأسبوع المنصرم، وبدا واضحا من "التقييم" الذي تهافت عليه البلدان على لسان وسائل إعلامهما ومسؤوليهما، خاصة في ما يتعلق بملفات "خطيرة" كانت فرنسا قد "التزمت" ظاهريا بالمقاربة الجزائرية، لكن ما أعلنه هولاند في بعض المحاور، فضح المستور وكشف حربائية الفرنسيين وتبنيّهم لمنطق "النفاق السياسي".
فقد أعلن خليفة نيكولا ساركوزي داخل قصر الإليزيه، إن "كل ما يراه المغرب جيدا ومفيدا لتقدمه هو مفيد وجيد بالنسبة لفرنسا كذلك"، موضحا في خطاب أمام البرلمان المغربي، أن المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء "مقترح جدي وذو مصداقية من أجل إيجاد حل متفاوض عليه"، مضيفا أن "المغرب قدم مخططا يتعلق بمنح حكم ذاتي موسع لمنطقة الصحراء، وأقول هنا أمامكم إن هذا المقترح يعد أساسا جديا وذا مصداقية من أجل التوصل إلى حل متفاوض بشأنه لقضية الصحراء".
وعبّر الرئيس الفرنسي عن اقتناعه بأن مشكل الصحراء الغربية، يشكل حجر عثرة أمام تقدم وحدة المغرب العربي، داعيا إلى العمل من أجل إعادة إطلاق بناء المغرب العربي لتحقيق اندماج إقليمي، كاختيار استراتيجي يعود بالنفع على جميع شعوب المنطقة! حيث صرّح رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، أن ذلك "يؤكد على المواقف التقليدية المعروفة لفرنسا في مساندة المغرب في قضاياه الكبرى!"
هذا التصريح المتطابق مع الرؤية والمزاعم المخزنية، هو برأي مراقبين "هدية" هولاند لـ"أمير المؤمنين"، وهنا تنكشف الخديعة الأولى، فهولاند لم يتطرق خلال زيارته للجزائر إلى قضية الصحراء الغربية بكل هذا التفصيل والدعم والفصاحة والولاء، وهو ما يؤكد أن هولاند فضّل دعم "الاستعمار المغربي" في الصحراء الغربية، عكس ما تنادي به الجزائر ومعها الأمم المتحدة.
وبمناسبة زيارته للمغرب، طالبت كل من منظمتي "هيومن رايتس ووتش" ومراسلون بلا حدود غير الحكوميتين، الرئيس الفرنسي بإثارة مسألة حقوق الإنسان مع السلطات المغربية، لكن ردّ هولاند كان بإعلانه دعم الاستعمار المغربي في الصحراء الغربية، بما يضمن للمخزن مواصلة إبادة الشعب الصحراوي.
هولاند الذي قال بشأن العلاقات الفرنسية المغربية أن "الماضي يوحدنا والحاضر والمستقبل يجمعنا"، لم يتردّد في التأكيد بأن زيارته للمغرب تأتي لإبلاغ رسالة بسيطة مفادها أن "فرنسا تثق في المغرب (..) ، مذكرا بأن البلدين عرفا كيف ينسجان عبر الزمن علاقات صداقة "بجودة نادرة إن لم تكن استثنائية". وعبّر الرئيس الفرنسي -الذي زار الجزائر في ديسمبر الماضي- عن "اعتزازه باسم فرنسا كلها بالصداقة مع المغرب التي ترتكز على التاريخ بمعناه الشامل - تاريخ دولتين وتاريخ قارتين وتاريخ شخصيات"- مضيفا كما ترتكز على "تاريخ شخصي -حميمي وعائلي مما ساهم في التوحيد بيننا (...)، كما ازدادت الروابط التي نسجت بيننا وثوقا مع تعاقب الأجيال"، وقال هولاند "المشاعر الودية العميقة التي يكنّها الفرنسيون للمغرب، البلد الذي قدّم لمنطقة المتوسط ثقافة لا تقارن".
وحتى إن استخدم هولاند عبارات "جيّاشة" خلال زيارته للجزائر، وحتى وإن استقبل "استقبالا شعبيا" وحظي بما عرُف بـ"بوسة الساسي"، إلاّ أن خطاب الرئيس الفرنسي بالمغرب، يؤكد حسب استنتاجات أوساط متابعة للعلاقات الدولية، أن هولاند برع في "التمثيل" على الجزائر والاكتفاء بتقديم الوعود فقط، مقابل إفادة المغرب بحزمة اتفاقيات تجارية واقتصادية وسياسية، وهو ما يُثبت أن فرنسا هي فرنسا، في تعاطيها مع "مستعمراتها القديمة"، ولا معنى لتداول ميتران وشيراك وساركوزي وهولاند على كرسي الإليزيه!
وفي تعليقه على "الإصلاحات" في المغرب، قال هولاند أن المغرب لم يعرف الربيع العربي و"لكنه استقبله"، مشيرا إلى أنه زار الجزائر التي لم تعرف الربيع العربي و"لكن لها تحولها الخاص"(..)، وهو "الكلام الكبير" الذي لم يدل به في الجزائر وأطلقه من المغرب، في وقت قال عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية، أن توقيع عدة اتفاقيات "يعطي نفسا جديدا للعلاقات التقليدية القائمة بين فرنسا والمغرب".
وفيما حظي هولاند بـ"استقبال شعبي" في المغرب، وقّعا البلدان بالقصر الملكي في الدار البيضاء، على 30 اتفاقا خاصة في مجال النقل (السكك الحديدية والترامواي والمترو والخط الفائق السرعة) والصناعة الغذائية والزراعة ومعالجة المياه والطاقات المتجددة والتكوين والتعليم والبحث العلمي وكذا تنقل الأشخاص.
كما أبرمت "الوكالة الفرنسية للتنمية" ومجموعة "التجاري وفا بنك" المغربية، اتفاقية لضمان تمويل خطط توسع الشركات المغربية والفرنسية في إفريقيا، بالإضافة إلى تمويل مشروع بناء مدينة "زناتة الجديدة"، وتتعهد الوكالة الفرنسية في الاتفاقية بضمان 50 في المئة من المخاطر التي تتحملها الفروع الإفريقية لمجموعة "التجاري وفا بنك" في ما يتعلق بالقروض المتوسطة والطويلة الأجل التي تمنحها للشركات المغربية والفرنسية، في حدود مليوني يورو لكل شركة.
كما تعهدت "الوكالة الفرنسية للتنمية"، بالمساهمة المباشرة في رأسمال الشركات المغربية والفرنسية عبر صندوقها الاستثماري المتخصص "بروباكو"، وحسب الاتفاقية تكفّلت الوكالة بمنح قرض بقيمة 150 مليون يورو لتمويل الشطر الأول من المشروع، الذي سينفذ خلال الفترة ما بين 2013 و2017، وتقدر كلفته الاستثمارية بقيمة 350 مليون يورو، ويستفيد المشروع أيضا من تمويل بقيمة 150 مليون يورو من البنك الأوروبي للاستثمار.
وقرأ خبراء اقتصاديون، أن طبيعة الاتفاقيات النوعية التي وقّعها هولاند بالمغرب -مقارنة بما وقعه من "وعد باتفاقيات" في الجزائر، يعكس بأن فرنسا هي شريك اقتصادي أول للمملكة المغربية، وقد كان هولاند مرفوقا بعدد من الوزراء وكذا 60 مدير شركة فرنسية، وتفيد أرقام الإليزيه أن حوالى 750 شركة فرنسية تعمل في المغرب، منها 36 من الأربعين شركة مسجلة في "كاك40" أكبر مؤشر في بورصة باريس، التي أكدت أن زيارة رئيسها إلى المغرب تهدف إلى توطيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع ما أسمته "الشريك الأول خارج الاتحاد الأوروبي".
:qqq: