سخيمة النفس من أراد أن يكون في الدرجة العظمى مع أمير الأنبياء والمرسلين لا بد أن يُطهر سخيمة نفسه ودخيلة فؤاده من كل شيء نحو إخوانه المؤمنين {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا}الحشر9
الشرط الأول سلامة الصدور: وبعد سلامة الصدور {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الحشر9
أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وقف نفر منهم ذات ليلة يُقدم بعضهم بعضاً على إمامة صلاة العشاء حتى منتصف الليل والكل يرى أن أخاه أولى منه بالإمامة فيُقدمه والآخر يرى أن أخاه أولى منه بالإمامة فيُقدمه انظروا إلى حالنا الآن وانظروا إلى سقيفة بني ساعدة عندما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى:
اجتمع الأنصار ولم يجتمعوا من أجل سلطان إنما أرادوا أن تجتمع كلمة المسلمين خوفاً من أن يتفرق جمعهم وعلم نفر من المهاجرين أبو بكر وعمر وأبو عبيدة رضي الله عنهم فقال أبو بكر: يا معشر الأنصار أنتم الأنصار ونحن المهاجرون ونحن قبيلة النبي ولا تعترف العرب إلا بهذا الحي من قريش فمنا الأمراء ومنكم الوزراء قالوا: رضينا يا أبا بكر . لا خلاف ولا إتلاف
فسيدنا أبو بكر كان ذكياً لأنه أعطاهم الوزارة لكن مشكلتنا الآن أن الذي يريد أن يأخذ شيء يريد أن يأخذه كله ولا يترك شيء لأحد وهذا هو سبب الفتنة التي نحن فيها الآن ثم قال سيدنا أبو بكر: يا عمر امدد يدك لأبايعك فقال عمر: إن رسول الله ارتضاك لإمامتنا في الصلاة أفلا نرتضيك في إمامتنا في الحكم امدد يدك يا أبا بكر لنبايعك قال: كيف تبايعني ومعنا أبو عبيدة بن الجراح وقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول {لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ}[1] كل واحد يريد أن يدفعها عن نفسه
وانظر إلى أصحابه عندما طُعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجاءته سكرات الموت وأجمعوا على أن يختاروا ابنه عبد الله بن عمر لصلاحه وورعه ودينه وقوته لا لأنه ابن عمر فقال عمر رضي الله عنه: لا، يكفي آل الخطاب منها واحد لأنه أراد ألا يُقر مبدأ التوريث وأن يجعلها شورى بين المؤمنين أجمعين كانوا يتدافعون المناصب وكانوا رضي الله عنهم كما علَّمهم رسول الله صلي الله عليه وسلم يحرصون على منافع الآخرة وعلى مكاسب الدار الغالية العالية وهي الجنة ولا تطرف عيونهم الدنيا مهما جاءتهم ومهما قابلتهم
وقد أعطى النبي صلي الله عليه وسلم المثال الأعظم لمن يتشدقون بالدين ويتمسحون به في زماننا فكان يضع الرجل المناسب في المكان المناسب فيختار على حسب الكفاءة وليس على حسب الثقة
جاءه خالد بن الوليد وكان خالد يحاربه وكان سبباً في هزيمته هو وأصحابه في غزوة أُحد لكنه عرف كفاءته القتالية وجدِّيته في قيادة الجيوش فبمجرد دخوله في الإسلام أصدر النبي قراراً نبوياً بتعيينه قائدا لجيش من جيوش المسلمين وتحت إمرته قدامى المسلمين منهم من هو من أهل الشورى ومنهم من هو من أهل بدر ومنهم من هو كذا لكنها الكفاءة فكان هذا تعليماً لهم من النبي صلي الله عليه وسلم أن يولون الأكفاء في مناصبهم
ومشى على هذه السُنَّة أصحابه الأجلاء رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين كانوا لا يُعينون الرجل لدينه ويقولون: دينه لربه وإنما نُعينه لكفاءته التي نحتاجها في عمله بعد دينه
كان سيدنا عمر رضي الله عنه جالساً في مجلس وجاءت امرأة وقالت: يا أمير المؤمنين زوجي يقوم الليل ويصوم النهار ويتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار ولا يكف عن ذكر الله والتسبيح والتحميد قال: إنه رجل صالح فقال رجل بجواره لم يكن عمر يفطن له: يا أمير المؤمنين إنك لم تفطن إلى تعريضها قال: وماذا أرادت؟ قال: إنها أرادت أنه مشغول بطاعة ربه ولا يُعطيها حقها قال له: ما دمت قد فطنت إلى ذلك فاحكم لها فاستدعى الرجل وقال له: ألك زوجات غيرها قال: لا، قال: إن الله جعل لك أربع فاجعل لها ليلة كل أربع ليال على الأقل فقال عمر رضي الله عنه متفرساً في الرجل: أنت في حكمك هذا خير منك في بديهيتك هذه اذهب فقد وليتك قاضياً على بلاد البصرة في العراق لأنه عرف أنه كفء لهذا العمل
فكانوا يولون الأكفاء ولا يتعصبون لأي أمر من الأمور ولذلك نصرهم النصير وأعزهم العزيز وأغناهم الغني وصاروا مُثُلاً مضيئة لنا وللمسلمين أجمعين في كل زمان ومكان بل للتاريخ كله والعالم أجمع
إذاً ما أحوجنا إلى أن نقلب هذه الصفحات ونبينها لإخواننا المسلمين والمسلمات حتى من يتشدقون بالعلوم ومن يخطبون على المنابر فقد أعماهم الهوى عن هذا الذي نقوله فهم في حاجة إلى من يردهم إلى الحق ويُبين لهم هذا المنهج القويم والطريق المستقيم
مَن الذي نقتدي به؟ سيدنا رسول الله وأصحابه من المهاجرين والأنصار في أُخُوتهم وفي مودتهم وفي ألفتهم وفي تعاملاتهم مع بعضهم وفي زواجهم وفي طلاقهم وفي بيعهم وفي شرائهم وفي كل أحوالهم مع بعضهم