كانت تتوسط الحديقة بجلوسها كالزهرة التي تتوسط البستان ... ابتسامتها التي اعتدت عليها تطفو على شفتيها الكرزيتين كنت انتظر إليها من النافذة باحثاً عنها ... وقلت في قرارة نفسي .. " ابحث عنك منذ الصباح وأنتِ هنا "!!
وعندما شَعَرت بوجودي نظرت باتجاهي..... ظلت ابتسامتها كما هي وأشارت لي بيدها
غادرت غرفتي وشوقي يدفعني إليها بخطوات سريعة وسرت عبر ذلك الممر الطويل باتجاه البوابة .
كنت اسمع بعض الصراخ أحيانا في الغرف المجاورة.... لكنها لم تكن لتوقفني أو تأثر على سرعة خطواتي
حتى اقتربت من البوابة فإذا بأحد يعارض طريقي , شخص طويل يرتدي مريولاً ابيض , كانت بشرته صافية وعدسات نظارته لا يعلوها أي غبار ....
" أنت ... اين تذهب ؟ "
نظرت إليه بغرابه ، من يكون هذا ، ولم يسألني ، كيف يقف أمامي ويعترض طريقي بهذا الشكل
أجابه صوت من بعيد " دعه.... انه ذاهب إلى الحديقة ، لا تخف لن يهرب ... "
لم ابحث عن مصدر ذلك الصوت , فقط اكتفيت بابتسامة عندما ابتعد ذلك الشخص وأفسح لي مجالاً لمتابعة طريقي , دفعت البوابة إلى الخارج وأطلقت بصري للبحث عنها يميناً ويساراً ..
كانت لا تزال جالسة كما رأيتها , اقتربت منها وأمسكت بيدها , لم تكن يدها دافئة , ولا حتى باردة ... لكنني طوقتها بأصابعي برقه ....
"حبيبتي, صباح الخير"
اجابت " صباح الخير يا حبيبي "
" سأقول لك سراً ... اقتربي "
ابتسمت واقترب مني " ماذا تريد ان تقول ؟ "
" اشتقت إليك "
ثم اخفضت صوتها واقتربت مني اكثر " كفاك ....لا يزال سريرنا دافئاً "
"لكنني اشتقت إليك"
لم يظهر الخجل عليها .. لم تتغير ابتسامتها ايضاً , لكنني اقنعت نفسي بخجلها
“لازلت تخجلين مني ، أنا زوجك"
ظلت ملامحها كما هي , وبقيت اقنع نفسي بخجلها اكثر ...
فقبلت يدها قائلاً " حبيبتي , لن أترككِ ابدا "
في تلك اللحظة سمعت وقع اقدام يقترب مني , بقيت عيني معلقة بعيني زوجتي , حتى ارتفع صوت وقع الاقدام اكثر
وإذ بهما شخصان ... اعرفهما تماماً , الاول شاب في مقتبل العمر ... يشبهني كثيراً بشعره الاشقر الداكن ولون بشرته الحنطية .., والاخر رجل كبير في العمر , ما استطاع من شعره التمسك برأسه كان يعلوه الشيب
اقتربا اكثر واكثر , كنت اظنهم سيعودون ادراجهم عندما يرون زوجتي بجانبي , لكنهما لم يتباطئا حتى .
قال الشاب وهو ينظر في وجه ذلك الرجل " ربااه , هل تظن بأن حالته افضل اليوم "
اقترب مني .. دون ان ينتظر اجابة على سؤاله
"متى ستعود معنا ، هل انت سعيد هنا !!"
اعود مع من والى اين وماذا يقصد بقوله هنا ... يبدو ان ذلك الشاب فقد عقله , اقتربت زوجتي مني اكثر بنفس الإبتسامة ونفس الملامح .. " قلت انك لن تتركني ابداً "
تابع ذلك الشاب كلامه " انظر لي ، الا تريد العودة معي , إلى متى ستبقى على حالك هذا "
بدأت اشعر بالغضب , لماذا يحدثني بهذا الاسلوب وكأنه يهتم بي ويحتاجني , لن اترك زوجتي هنا واخرج معه ابداً ..
نظرت إلى زوجتي مرة اخرى ... لم تتغير ملامحها ابداً .. بدأ شعوري بالغضب يختلط ببعض الغرابة من ملامح زوجتي المتجمدة , لكنني لم اترك يدها بعد
قاطعه ذلك الرجل الكبير " اهدئ يا بني , لن يجيبك , ربما لا يسمعك اصلاً , كان اثر تلك الحادثة قوية على اخيك يا بني , يبدو انه لم يستوعب موت زوجته بعد ... هيا لنذهب وسنعود له فيما بعد "
ابتعدا عني ولا تزال نظرات الغرابة تطفو على ملامح وجهي , ظل ذلك الرجل يسير بقوة فيها بعض الانكسار , اما الشاب فقد نظر لي نظرة تناقلت بين الحزن والآسى والشفقة
تابعت عيناي ابتعاد هؤلاء عني , حتى وصلا إلى البوابة مغادرين المكان .